يرتبط الذكاء الإنساني بوجود عدد من القدرات الشخصية مثل القدرات اللفظية وسهولة استعمال الكلمات، والقدرات الحسابية ، وإدراك المتشابهات والأمور المختلفة ، وقوة الذاكرة ، والقدرات البصرية والحسية الأخرى ، إضافة للتناسق العصبي الحركي العضلي وغير ذلك ..
وهذه القدرات مرتبطة بالبنية العضوية الوراثية للفرد ، ولكن الظروف التربوية والاجتماعية لها دور هام في تطور الذكاء وزيادته وأيضاً في جموده وتعطله ..
والتخلف العقلي أو بطء التعلم ينتشر في معظم المجتمعات بنسب متقاربة وهي تقدر بحوالي 3% من الناس . وتتراوح شدة التخلف بين خفيفة ومتوسطة وشديدة . وتقيس اختبارات الذكاء المتعددة جملة من القدرات العقلية للفرد وهي تعطي مفهوماً تقريبياً عن ذكائه .
ومما لاشك فيه أن ما تقيسه اختبارات الذكاء لا يعكس قدرات الشخص التكيفية ومدى نجاحه في حياته العملية .. وهناك مايسمى بالذكاء العملي وهو لا يتوازى مع الذكاء النظري . كما أن الذكاء نفسه له أنواع ومجالات مثل الذكاء الانفعالي ( العاطفي ) والذكاء الاجتماعي وغير ذلك ..
وإذا تحدثنا عن مستوى الذكاء العام في مجتمعاتنا نجد أن جميع الشعوب متشابهة عموماً من حيث وجود التخلف العقلي بين أفرادها ، ووجود الذكاء المتوسط ، وأيضاً وجود الذكاء المتفوق المتميز .. والتخلف الحضاري الذي نعيشه يمكن أن يعكس درجة من التخلف الذهني والتربوي في أحد جوانبه.. و مثلاً فإن انتشار الأمية الواسع بكل أشكالها هو دليل وشاهد على مدى أهمية التنمية بجوانبها التعليمية والتثقيفية للوصول إلى تقدم علمي وحضاري.
ومما لاشك فيه أن التعليم والتدريب منذ الصغر يزيد من مستوى الذكاء ، وكذلك الرعاية الصحية والبدنية، إضافة للاستقرار النفسي والاجتماعي . وذلك لأن كل ما يؤثر على الجهاز العصبي سلبياً ، يقلل من تركيز الذهن أو من الانتباه ، من خلال ارتفاع درجات القلق والتوتر ، أو اجترار الآلام والمشكلات، أو من خلال الضعف الجسمي ونقص التغذية .. وكل ذلك يؤثر على القدرات العقلية وتطورها بالتحليل الأخير .
كما أن أساليب التربية والتعليم التي تشجع الفرد ، وتنمي مواهبه وحريته ، وتشجعه على البحث والسؤال والنقد والمراجعة ، وتكسبه الثقة بالنفس ، تزيد من قدرات الفرد ومن تحصيله وذكائه . بينما تؤدي أساليب الضغط والإكراه ، وأساليب التلقين والحفظ إلى عكس ذلك ..
وفي مجتمعاتنا النامية تحققت كثير من الإنجازات على صعيد انتشار التعليم والثقافة وعلى صعيد التنمية العامة في مختلف المجالات .. ولا يزال ينقصنا الكثير في مجال تشجيع القدرات الابتكارية والإبداع في مختلف الميادين ..
وتشجيع الموهوبين موضوع هام في العصر الحالي .. وتجرى كثير من الدراسات للتعرف على أفضل الطرق في تنمية المواهب وفي تسهيل الظروف أمام تقدم العقلية الابتكارية الإبداعية والتي يمكن أن ينعكس مردودها على المجتمع عموماً . ومن ذلك إعداد البرامج الدراسية الخاصة للأشخاص المتفوقين، وتزويدهم بالمواد الأولية ، والحوافز ، والألعاب الخاصة ، والتأكيد على التشجيع المنظم في مختلف المراحل الدراسية والعملية ، وتشجيع النقد الذاتي والجماعي ، وغير ذلك ..
ولا تزال الأبحاث جارية في مجال التعرف على الأطفال الموهوبين وذوي القدرات الخاصة لتنمية ما عندهم . وبعض الدراسات تؤكد على ضرورة البدء في تعليم الأطفال في سن مبكرة وحتى في السنة الأولى من العمر فيما يعرف بمشروع الطفل العبقري .. ولم تثبت نتائج مثل هذه الأبحاث في الوقت الحاضر .. إضافة إلى الانتقادات الكثيرة التي يمكن أن توجه لمثل هذه المشاريع من النواحي الأخلاقية والإنسانية ..
ولابد من القول أن القدرة على الابتكار والتجديد والاختراع تتضمن سعة المعرفة والاطلاع ، وأيضاً تتضمن ازدياد النشاط التخيلي ، والتجريب والبحث، وتوفر الإمكانيات العملية والأدوات المناسبة ، إضافة إلى وجود درجة مقبولة من الذكاء العام والثقة بالنفس .. ولابد من التأكيد على توفير مثل هذه الأساليب في العملية التربوية ومنذ الصغر ابتداءً بالبيئة المنزلية ومروراً بالبيئة المدرسية والاجتماعية والعملية .
ولعله من المثير للانتباه والتأمل أن كلمات " إبداع وابتكار " لا تتكرر في لغتنا اليومية وحواراتنا الاجتماعية .. وكذلك كلمات " تجريب وبحث " .. بينما نستعمل كثيراً كلمات تتضمن التقليد والاجترار والتكرار والاستهلاك السلبي .. وكأن هناك حواجز تدفعنا بعيداً عن التجدد والتغيير والابتكار .. ونحن ننظر بعين الريبة والشك تجاه كل جديد أو غريب .. وهذا يشكل أحد الأمراض الاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا .. ولابد للتفريق بين " الاتباع والابتداع والبدع " وبين الإبداع .
ولابد لنا من النظرة المتوازنة إلى الماضي والحاضر والمستقبل .. فلا نكتفي بالتغني وبتقريظ ما أبدعه وأنتجه عظماؤنا وأجدادنا في تاريخنا العربي الإسلامي في مختلف المجالات .. ولابد لنا من مراجعة أنفسنا وتطوير أساليبنا بما يتناسب مع متطلبات الحياة المعاصرة والاتجاه نحو الإنتاج والإبداع فيما يتناسب مع مجتمعنا وثقافتنا وفيما يضمن لنا مزيداً من الصحة والعافية